المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لماذا احتميتَ بجسمي النَّحيلْ؟!



هلال الفارع
04-08-2008, 06:10 AM
http://www.palestine-info.info/arabic/palestoday/readers/aldorrah/rami.gif




رسالة الشهيد محمد الدرة لوالده في ذكرى استشهاده على مسرح الصمت العالمي والتخاذل العربي..
لماذا احتميتَ بجسمي النَّحيلْ؟!
* شعر: هــلال الفــارع
أَصَدَّقْتَ – بَعدَ الذي كانَ –
أَنَّكَ مِنْ دُونِ خَيْلِكَ لا تَسْتَطِيعُ الصَّهِيلْ
وأَنَّكَ لا تَستطَيعُ اخْتِصَارَ مَتَاهاتِ هذا الهَوانِ الطَّويلْ؟
أَصَدَّقْتَ أَنَّكَ لا تستطيعُ التَّسَرُّبَ مِنِّي،
وَمِنْ مُفْرَداتِ الأَسَى والرَّحِيلْ؟!
تَذَكَّرْتُكَ الآنَ..
تَدْفَعُ عَنِّي الرَّصَاصَ بِكَفَّيْنِ عارِيَتَيْنِ
سِوَى مِنْ كثيرٍ مِنَ الرُّعْبِ،
أو مِنْ قليلٍ منَ الأَمَلِ المُستحيلْ
وَأَذْكُرُ أنكَ كنتَ تُحَاوِلُ مَنْعِي
مِنَ الإِنشِطَارِ على مَسْرَحِ الخوفِ
كيْ تَسَتَوي لوْحَةُ الوَصْفِ
في مَشْهَدٍ طازَجٍ بِالدَّلِيلْ
وأَذْكُُرُ أَنَّكَ كُنْتَ تَمُدُّ ذِراعَيْنِ فارِغَتَيْنِ للرِّيحِ،
هَامَا على وَجْهِهَا دونَ حِيلَهْ
وَنَامَا على جُثَّتِي،
بَعْدَمَا مَزَّقَتْنِي الرِّمَايَةُ،
واسْتَنْزَفَتْنِي الْجُرُوحُ الْجَلِيلَهْ
وَأَذْكُرُ طَعْمَ ورائِحَةَ الزَّفَراتِ الذَّلِيلَهْ
وَأّذْكُرُ صَوْتَكَ مُخْتَنِقًا بالرَّدَى فيكَ:
" مَاتَ الْوَلَدْ "
وَرَجْعَ الصَّدَى عنكَ:
ماتَ الولدْ.......
صَرَخْتَ.. انْتَحَبْتَ.. اسْتَجَرْتَ..
وَمَا مِنْ أَحَدْ
أَصَدَّقْتَ - بعدَ الذي كانَ –
أنَّكَ خَاوٍ سِوى مِنْ فَرَاغِكَ،
لا تَسْتَمِعْ لِلَّذينَ يَرَوْنَكَ
غَيْرَ بَقَايا جسدْ
وغَيْرَ حِكايَةِ وَهْمٍ ذَلِيلَهْ
لِمَاذَا وَقَفْتَ عَلى حَافَةِ الْعُرْيِ دَهْرًا،
وإِنَّكَ تَدْرِي بِأَنَّ التَّوابيتَ لا تَستطيعُ
الْبَقَاءَ بِلا جُثَثٍ فَتَراتٍ طَوِيلَهْ
وَإِنَّكَ تَدري،
بِأَنَّكَ وحدَكَ تَحيَا،
لِتُسْكِنَهَا كُلَّ يومٍ عُيُونًا قَتِيلَهْ؟!
تَذَكَّرْتُكَ الآنَ..
دَعنِي أُصَارِحْكَ:
إِنَّكَ كُنتَ تُحاوِلُ أَنْ تَمْنَعَ الْحُزْنَ عَنْكَ،
وَأَنْ تَدْفَعَ الْخَوْفَ عَنِّي
وَإِنَّكَ كُنْتَ تُخَبِّئُ عَجْزَكَ بَيْنِي وَبَيْنِي
وإِلاَّ لِمَاذا تَحَاشَاكَ جُوعُ الرَّصَاصِ،
وإِنَّكَ أَطْوَلُ مِنِّي
وأَعْرَضُ مِنِّي
وَأَحْرَصُ مِنِّي على أَنْ تَعِيشَ،
لِتَكْسُوَ ذُلَّكَ عَطْفًا،
وَتُشْبِعَ جُوعَكَ لُطْفًا،
وَتَصْعَدَ في مُفْرَدَاتِ التَّمَنِّي؟!
لقد كانَ مُفْتَرَضًا أن أعيشَ
- كَكُلِّ الذينَ يَعِيشُونَ -
فَصْلَ الطُّفولَةِ مِنْ دونِ خَوفٍ،
وَمِنْ غَيْرِ مَوْتٍ،
أَلَسْتَ الذي جاءَ بي
- يا أبي - لِلْحَياةِ الجَمِيلَهْ؟
لِماذَا - إذا كُنتَ تَدري
بأنكَ أعجزُ مِنْ مَنْعِ مَوتي
على مَسْرَحِ العارِ غِيلَهْ -
أتيتَ بِلَحمي لِتُطْعِمَهُ الذّابِحَاتِ الصَّقِيلَهْ
تَذَكَّرتُكَ الآنَ يا والدي
كُنْتَ تَهْذِي كثيرًا،
كَأَنَّكَ لم تَخْبُرِ المَوْتَ مِثلي،
ولم تَتَدَرَّبْ على العيشِ في اللَّحَظَاتِ الْقَلِيلَهْ
تَذَكَّرْتُكَ الآنَ..
أَرْجُوكَ يا والدي
لا تُبَالِغْ كثيرًا إذا مَا رَوَيْتَ فُصُولَ الْبُطُولَهْ
ولا تَسْكُبِ الدَّمْعَ كيفَ تَشَاءُ، وَأَيْنَ تَشَاءُ،
فأنتَ تُهِيْنُ الطُّفُولَهْ
وأنتَ تُبَالِغُ جِدًّا بِمَنْحِ يَدَيْكَ وِسَامًا،
كَأَنَّهُمَا صَدَّتا عنْ قَتِيِلكَ بَرْقَ الْمَنُونِ!!
لقدْ كانَ مُفْتَرَضًا أنْ تَمُوتَ،
لِيَحْيَا جُنُونِي
ولكنَّنِي مُتُّ دُونَكَ يا والدي
كَيْ تُوَاصِلَ مَسْكَنَةَ النَّازِحِينَ،
ومَهْلَكَةَ اللاجِئينَ
على عَتَبَاتِ الظُّنُونِ!!
أَلاَ فَارْوِ ما شِئْتَ عنكَ،
وعنْ جُرْأَةٍ غيرِ عَادِيَّةٍ في حَنَايَاكَ
يومَ الرَّصاصِ الْمُتَلْفَزِ،
في مَسْرَحٍ لِلرَّدَى والفُنُونِ
ويومَ اصْطِلائِي أمامَكَ بالْعَجْزِ فيكَ،
وبِالذُّلِّ في شَهَقَاتِ الْجُفُونِ
تَذَكَّرْتُكَ الآنَ يا والدي،
لا تَدَعْنِي أُطِِيلُ الوُقُوفَ عَلَيْكَ،
فلوْ شِئْتَ ذَكَّرْتُكَ الآنَ كيفَ ابْتَذَلْتَ سُكُونِي
وكيفَ احْتَمَيْتَ بِجِسْمِي النَّحِيلِ،
وكيفَ احْتَفَيْتَ بِظِلِّي الْقَلِيلِ،
وكيفَ اسْتَقَلْتَ مِنَ النَّبْضِ،
قَبْلَ انْكِشَافِي أمامَ الرَّصَاصِ،
فلم تَبْقَ دُونِي
ولوْ شِئْتَ ذَكَّّرْتُكَ الآنَ
كيفَ انْفَجَرْتُ وَرَاءَكَ في لَحْظَةٍ،
لم تَلِدْ مِثْلَهَا غابِرَاتُ القُرُونِ
ولم تَبْتَدِعْ مثلَها الْقَارِعاتُ الثَّقِِيلَهْ
أُهَنِّيكَ يا سَيِّدَ الوقْتِ والعِزَّةِ المُسْتقيلَهْ
أَلَمْ تَغْدُ بَعدِي حديثَ الجرائدِ والتَّلْفَزَاتِ،
وَضَيْفَ الْقَِبيلَهْ
وَمَأْمُورَ جَمْعِ الْهِبَاتِ النَّبِيلَهْ؟!
لَكَ اللهُ مِنْ والِدٍ مُسْتَفَزٍّ حَنُونِ
تُصَدِّقُ – مِثَْلَ الكَثِيرينَ –
أَنَّ الذي كانَ فَصْلٌ مِنَ الْمَجْدِ،
لا يا أَبِي..
كانَ عارًا على كُلِّ مَنْ مَجَّدُونِي
وكانَ انْبِهَارًا بِمَوْتٍ جَديدٍ على دُفُعَاتٍ،
تَلاَقَتْ عَلى رَصْدِهِ خائِنَاتُ الْعُيُونِ
لكَ اللهُ مِنْ وَالِدٍ،
بَلْ لِيَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ
غائِبٍ عنكَ،
أوْ رُبَّمَا تائِهٍ مِنْكَ،
في مُفْرَدَاتِ الضَّيَاعِ الأَخيرِ،
وفي خَلَجَاتِ السُّكُونِ
فَعِشْ مِثْلَمَا تَشْتَهِي أنْ تَعِيشَ،
على غَفْلَةٍ مِنْ شُجُونِي
وَدَعْني قليلاً أُرَتِّبْ شُؤُونِي
فقدْ كُنْتُ طَوَّعْتُ لي عِزَّةً،
كُنْتُ أُومِي لَها، فَأَقولُ:
أَيَا عِزَّةَ النَّفْسِ كُونِي...
فكانَتْ تكونُ،
فَأَجْمَعْتُمُ الأَمْرَ أَنْ تَجْعَلُونِي .. ....!!
فَمُرَّ عَلَى الْجُبِّ يا والدي،
أَوْ دَعِ الْوَارِدِينَ يَجِيئُوا...
فَيَنْتَشِلُونِي!!!